جذور السحر الأسود في الحضارات القديمة

من خلال بحثنا القديم في الظواهر والأعمال الغامضة يمكننا القول بأن اخطر الاعمال الغامضة هي السحر الأسود، ففي أعماق التاريخ البشري، تبرز جذور السحر الأسود في الحضارات القديمة كواحدة من أكثر الظواهر غموضًا وإثارة للجدل. من طقوس الكهنة في مصر الفرعونية إلى تعاويذ بلاد الرافدين، كان السحر الأسود حاضرًا بقوة في معتقدات الشعوب القديمة.

جذور السحر الأسود في الحضارات القديمة
جذور السحر الأسود في الحضارات القديمة

سنغوص في جذور السحر الأسود في الحضارات القديمة لنكشف أسرار الرموز، والطقوس، والمخطوطات التي أسست علاقة الإنسان بالقوى الخفية. كما سنحلل تأثير هذه الممارسات على المجتمعات القديمة، وكيف انعكست على المعتقدات الحديثة. رحلة عبر الزمن لفهم كيف بدأ السحر الأسود وأنواعه، ولماذا لا يزال يثير الرعب والفضول حتى اليوم.

القسم الأول: جذور السحر الأسود في حضارات ما قبل التاريخ

السحر الأسود في العصر الحجري: طقوس بدائية أم معتقدات روحية؟

في أعماق العصر الحجري، وقبل ظهور الكتابة، بدأت جذور السحر الأسود في الحضارات القديمة تتشكل من خلال طقوس غامضة مرتبطة بالخوف من المجهول. استخدم الإنسان البدائي النار، الرماد، والدم في طقوس تهدف إلى استرضاء الأرواح أو السيطرة على الطبيعة. لم تكن هذه الممارسات مجرد خرافات، بل كانت جزءًا من نظام روحي بدائي يعكس فهم الإنسان الأول للعالم من حوله.

تشير بعض الدراسات إلى أن هذه الطقوس كانت تُمارس في أوقات محددة مثل الكسوف أو الولادة أو الموت، ما يعكس ارتباطها العميق بالدورات الطبيعية. وقد اعتُبرت هذه الطقوس لاحقًا نواة لما أصبح يُعرف بالسحر الأسود في الثقافات المتقدمة.

الرموز الأولى للسحر الأسود في الكهوف والنقوش

تُظهر النقوش الصخرية في كهوف أوروبا وآسيا رموزًا غريبة يُعتقد أنها تمثل بدايات جذور السحر الأسود في الحضارات القديمة. من أشكال الحيوانات المشوهة إلى الأيدي المرسومة بالدم، كانت هذه الرموز تُستخدم كوسائل للتواصل مع الأرواح أو لتوثيق الطقوس السحرية.

بعض الباحثين يرون أن هذه الرموز كانت تُستخدم في طقوس استدعاء الأرواح أو لعن الأعداء، خاصة في المجتمعات التي كانت تعاني من الحروب أو المجاعات. وقد تطورت هذه الرموز لاحقًا لتصبح جزءًا من أنظمة سحرية أكثر تعقيدًا في حضارات مثل بابل ومصر.

كيف فسّر علماء الأنثروبولوجيا جذور السحر الأسود في المجتمعات البدائية؟

يرى علماء الأنثروبولوجيا أن جذور السحر الأسود في الحضارات القديمة تعكس حاجة الإنسان للسيطرة على ما لا يمكن تفسيره. في المجتمعات البدائية، كان السحر وسيلة لفهم الظواهر الطبيعية مثل الموت، المرض، والولادة، وغالبًا ما ارتبط بالخوف والرهبة.

وقد فسّر العلماء هذه الممارسات على أنها شكل من أشكال التنظيم الاجتماعي، حيث كان الساحر أو الشامان يحتل مكانة مرموقة في القبيلة. كما أن الطقوس السحرية كانت تُستخدم لفرض النظام أو لتبرير القرارات المصيرية، مما يجعل السحر الأسود أداة سياسية واجتماعية بامتياز في تلك العصور.

الرموز الأولى للسحر الأسود في الكهوف والنقوش

القسم الثاني: جذور السحر الأسود في الحضارة المصرية القديمة

الكهنة والسحر الأسود في مصر الفرعونية

في قلب جذور السحر الأسود في الحضارات القديمة، تبرز مصر الفرعونية كواحدة من أكثر البيئات التي احتضنت الطقوس السحرية بشكل منظم. لم يكن الكهنة مجرد رجال دين، بل كانوا أيضًا سحرة يمارسون طقوسًا معقدة تهدف إلى السيطرة على القوى الخفية. استخدموا التعاويذ، الرموز، والأدوات المقدسة في طقوس تُنفذ داخل المعابد أو المقابر الملكية، وغالبًا ما ارتبطت هذه الممارسات بالحماية أو الانتقام.

الكهنة كانوا يُعتبرون وسطاء بين العالمين، ويُعتقد أنهم امتلكوا معرفة سرية تُنقل عبر الأجيال، مما جعلهم حجر الأساس في تطور السحر الأسود داخل الحضارة المصرية.

برديات السحر: أخطر النصوص القديمة

من أبرز ما يكشف عن جذور السحر الأسود في الحضارات القديمة هي برديات السحر المصرية، مثل بردية "ليدن" وبردية "هاريس". تحتوي هذه النصوص على تعاويذ مكتوبة بالهيروغليفية والديموطيقية، تتضمن طقوسًا لاستدعاء الأرواح، التحكم في الأعداء، وحتى إحداث المرض أو الموت.

تُظهر هذه البرديات أن السحر لم يكن مجرد خرافة، بل علم خفي له قواعد وأدوات، وكان يُستخدم في الحياة اليومية والسياسية والدينية. بعض هذه التعاويذ كانت تُنفذ باستخدام رماد الموتى، دم الحيوانات، أو رموز محفورة على العظام، مما يعكس عمق الممارسات السحرية في تلك الحقبة.

علاقة السحر الأسود بالآلهة مثل ست وأنوبيس

في سياق جذور السحر الأسود في الحضارات القديمة، لعبت الآلهة المصرية دورًا محوريًا في تشكيل الطقوس والمعتقدات. الإله "ست"، المعروف بارتباطه بالفوضى والظلام، كان يُستدعى في طقوس السحر الأسود المرتبطة بالانتقام والدمار. أما "أنوبيس"، إله الموتى والتحنيط، فكان يُستخدم رمزيًا في طقوس التواصل مع الأرواح أو السيطرة على الموت.

هذه العلاقة بين الآلهة والسحر الأسود تعكس كيف امتزج الدين بالسحر في مصر القديمة، حيث لم تكن الطقوس مجرد ممارسات فردية، بل جزءًا من نظام كوني يُعتقد أنه يتحكم في مصير البشر.

كيف تعامل الفراعنة مع السحرة السود؟

رغم أن جذور السحر الأسود في الحضارات القديمة كانت متجذرة في الثقافة المصرية، فإن الفراعنة لم يتسامحوا دائمًا مع ممارسيه. في بعض الفترات، كان يُنظر إلى السحرة السود كتهديد للنظام الملكي، وتمت محاكمتهم أو نفيهم. بينما في فترات أخرى، استخدم الفراعنة السحر الأسود كأداة سياسية لحماية العرش أو إضعاف الخصوم.

الفرعون كان يُعتبر نصف إله، وكان من مصلحته السيطرة على القوى السحرية، سواء عبر الكهنة أو عبر طقوس خاصة تُنفذ في المعابد السرية. هذا التناقض في التعامل يعكس تعقيد العلاقة بين السلطة والسحر في مصر القديمة.

جذور السحر الأسود في الحضارة المصرية القديمة
جذور السحر الأسود في الحضارة المصرية القديمة

القسم الثالث: جذور السحر الأسود في حضارة بلاد الرافدين

السحر الأسود في سومر وبابل: بين الطقوس واللعنات

تُعد بلاد الرافدين من أبرز المحطات في جذور السحر الأسود في الحضارات القديمة، حيث ظهرت أولى الطقوس المنظمة للسحر في مدن مثل سومر وبابل. لم يكن السحر مجرد ممارسة هامشية، بل كان جزءًا من النظام الديني والسياسي، يُستخدم في اللعنات، الحماية، واستدعاء القوى الخفية. الطقوس كانت تُنفذ داخل المعابد أو في أماكن مخصصة، وغالبًا ما تضمنت رموزًا غامضة، تماثيل صغيرة، ومواد عضوية مثل الشعر والدم، بهدف التأثير على الأفراد أو الأحداث.

ألواح الطين والنصوص السحرية

من أبرز ما يكشف عن جذور السحر الأسود في الحضارات القديمة في بلاد الرافدين هي الألواح الطينية التي كُتبت بالخط المسماري. تحتوي هذه الألواح على تعاويذ سحرية، طقوس استدعاء، ونصوص لعنات تُوجه ضد الأعداء أو الأرواح الشريرة. بعض هذه النصوص كانت تُستخدم في طقوس "الطرد" أو "التحصين"، بينما أخرى كانت تُكتب خصيصًا لإحداث الأذى، وتُدفن تحت منازل الضحايا أو تُعلق في أماكن سرية. هذه الألواح تُعد من أقدم الوثائق السحرية في التاريخ، وتُظهر مدى تعقيد الفكر السحري في تلك الحضارة.

دور الكهنة في ممارسة السحر الأسود

في سياق جذور السحر الأسود في الحضارات القديمة، كان الكهنة في بلاد الرافدين يُعتبرون خبراء في الطقوس السحرية. لم يكن دورهم مقتصرًا على العبادة، بل كانوا يُمارسون السحر كجزء من مهامهم الرسمية، خاصة في حالات المرض، الكوارث، أو الحروب. الكاهن كان يُعرف باسم "آشيبو"، ويُعتقد أنه كان يمتلك معرفة دقيقة بالتعاويذ، الرموز، والأدوات السحرية. وقد كان يُستدعى لتنفيذ طقوس معقدة تهدف إلى التأثير على مصير الأفراد أو الجماعات، مما يعكس مكانة السحر في البنية الاجتماعية والدينية لتلك الحضارة.

كيف أثّرت هذه الجذور على السحر في الثقافات اللاحقة؟

امتدت جذور السحر الأسود في الحضارات القديمة من بلاد الرافدين إلى حضارات أخرى مثل مصر، اليونان، وحتى أوروبا في العصور الوسطى. الرموز، الطقوس، وحتى بعض النصوص السحرية انتقلت عبر التجارة والترجمة، لتُصبح جزءًا من تراث السحر العالمي. العديد من المفاهيم مثل "اللعنة المكتوبة"، "التحصين"، و"استدعاء الأرواح" ظهرت أولًا في بلاد الرافدين، ثم تطورت لاحقًا في سياقات دينية وفلسفية مختلفة. هذا التأثير العابر للزمن يُظهر كيف كانت تلك الجذور حجر الأساس لفهم الإنسان للقوى الخفية حتى يومنا هذا.
جذور السحر الأسود في حضارة بلاد الرافدين
جذور السحر الأسود في حضارة بلاد الرافدين

 القسم الرابع: جذور السحر الأسود في الحضارة اليونانية والرومانية

السحر الأسود في الأساطير اليونانية: هيكات وسيرس

في قلب جذور السحر الأسود في الحضارات القديمة، تبرز الأساطير اليونانية بشخصيات غامضة مثل الإلهة "هيكات" وساحرة "سيرس". هيكات كانت تُعبد كإلهة للسحر، الأرواح، والمفترقات، وغالبًا ما ارتبطت بطقوس الظلام والاستدعاء. أما سيرس، فقد اشتهرت بتحويل البشر إلى حيوانات باستخدام تعاويذها، ما جعلها رمزًا للسحر التحويلي.

هذه الشخصيات لم تكن مجرد رموز خيالية، بل كانت تُستخدم في الطقوس الفعلية، حيث كان يُستدعى اسم هيكات في الليالي القمرية لتنفيذ طقوس الحماية أو اللعنات، مما يعكس عمق تأثير الأسطورة على الممارسة السحرية.

كتب السحر في روما القديمة: "الكتاب الأسود"

من أبرز ما يكشف عن جذور السحر الأسود في الحضارات القديمة في روما هو ما يُعرف بـ"الكتاب الأسود"، وهو مصطلح يُطلق على مجموعة من المخطوطات التي احتوت على تعاويذ، رموز، وطقوس سحرية تُستخدم في اللعنات، السيطرة، والتحكم في المصير. هذه الكتب كانت تُكتب غالبًا باللاتينية، وتُخبأ بعيدًا عن أعين العامة، حيث كان امتلاكها يُعد جريمة في بعض الفترات. وقد تضمنت وصفًا دقيقًا لطقوس استخدام الدم، الشعر، والتمائم، مما يجعلها من أخطر مصادر السحر في التاريخ الروماني.

كيف تعامل الفلاسفة مع السحر الأسود؟

رغم أن جذور السحر الأسود في الحضارات القديمة كانت متغلغلة في الثقافة اليونانية والرومانية، فإن الفلاسفة تعاملوا معها بحذر. أفلاطون وأرسطو ناقشا السحر من منظور أخلاقي وعقلي، حيث اعتبروه انحرافًا عن العقل والمنطق. لكن في المقابل، كان هناك من الفلاسفة من رأى في السحر وسيلة لفهم القوى الكونية، مثل أفلوطين الذي ربط بين الطقوس السحرية والاتصال بالعقل الكلي. هذا التباين يعكس كيف كان السحر الأسود موضوعًا فلسفيًا معقدًا، يتراوح بين الرفض والتأمل.

تأثير هذه الجذور على أوروبا في العصور الوسطى

امتدت جذور السحر الأسود في الحضارات القديمة من اليونان وروما إلى أوروبا في العصور الوسطى، حيث أعيد تفسير الطقوس والأساطير ضمن سياقات دينية جديدة. تم دمج رموز هيكات وسيرس في طقوس الشعوذة، وظهرت كتب سحرية مستوحاة من "الكتاب الأسود" الروماني، مثل "مفتاح سليمان" و"غريمور الظلال".

كما أن الكنيسة الكاثوليكية تعاملت مع هذه الجذور بحزم، فظهرت محاكم التفتيش، وتمت ملاحقة السحرة، مما أدى إلى تشويه صورة السحر وتحويله من ممارسة فلسفية إلى جريمة دينية. هذا التحول التاريخي يُظهر كيف أثّرت الجذور القديمة على تشكيل الموقف الأوروبي من السحر الأسود.
جذور السحر الأسود في الحضارة اليونانية والرومانية
جذور السحر الأسود في الحضارة اليونانية والرومانية

القسم الخامس: جذور السحر الأسود في الحضارات الشرقية

السحر الأسود في الهند القديمة: طقوس التانترا المظلمة

تُعد الهند من أبرز البيئات التي ساهمت في تشكيل جذور السحر الأسود في الحضارات الشرقية، خاصة من خلال طقوس التانترا المظلمة. هذه الطقوس، التي تُمارس في الخفاء، تعتمد على رموز معقدة، تأملات عميقة، واستخدام عناصر مثل الدم، الرماد، والمانترا السرية. في بعض المدارس التانترية، يُعتقد أن السحر الأسود يُستخدم للسيطرة على القوى الكونية أو التأثير على الآخرين، وغالبًا ما يُنفذ في أماكن منعزلة مثل المقابر أو تحت ضوء القمر. هذه الممارسات كانت تُعتبر خطيرة، لكنها جزء من تراث روحي عميق في شبه القارة الهندية.

الصين القديمة: السحر الأسود في الطب الروحي

في الصين القديمة، ارتبطت جذور السحر الأسود في الحضارات الشرقية بالطب الروحي ومفاهيم الطاقة مثل "تشي" و"ين ويانغ". استخدم الكهنة والطبيب الروحي طقوسًا سحرية لطرد الأرواح الشريرة أو علاج الأمراض التي يُعتقد أنها ناتجة عن طاقات مظلمة. الرموز، الأعشاب، والتعاويذ كانت تُستخدم ضمن نظام علاجي متكامل، حيث يُعتقد أن السحر الأسود يمكنه التأثير على التوازن الداخلي للإنسان. وقد ظهرت هذه الممارسات في نصوص مثل "كتاب التغيرات" و"الكتاب الأصفر"، مما يعكس عمق العلاقة بين السحر والشفاء في الثقافة الصينية.

السحر الأسود في الحضارة الفارسية والزردشتية

في سياق جذور السحر الأسود في الحضارات الشرقية، لعبت الحضارة الفارسية والزردشتية دورًا مهمًا في تشكيل الطقوس السحرية. رغم أن الزردشتية تُدين السحر الأسود، إلا أن بعض النصوص القديمة تشير إلى وجود طقوس تُستخدم فيها النار، الرماد، والتعاويذ للتحكم في الأرواح أو التأثير على الأحداث. الرموز الزردشتية مثل "الفروهر" و"أهورا مزدا" كانت تُستخدم في طقوس الحماية، بينما ظهرت طقوس مظلمة في بعض الممارسات الشعبية التي اختلطت بالمعتقدات القديمة. هذا التداخل بين الدين والسحر يعكس تعقيد العلاقة بين السلطة الروحية والممارسات السحرية في إيران القديمة.

كيف انتقلت هذه الجذور إلى العالم الإسلامي؟

امتدت جذور السحر الأسود في الحضارات الشرقية إلى العالم الإسلامي عبر الترجمة والتفاعل الثقافي، خاصة خلال العصر العباسي. تُرجمت كتب السحر الهندية والفارسية إلى العربية، مثل "كتاب الطلسمات" و"شمس المعارف"، وظهرت مدارس سحرية في بغداد ودمشق. رغم التحذير الديني من السحر الأسود، إلا أن بعض العلماء اهتموا بدراسته من باب المعرفة، وظهرت طقوس استدعاء الجن، استخدام الرموز، والتعاويذ في بعض المجتمعات. هذا الانتقال الثقافي جعل السحر الأسود جزءًا من التراث الشعبي والديني في العالم الإسلامي، مع استمرار الجدل حول شرعيته وتأثيره.
جذور السحر الأسود في الحضارات الشرقية
جذور السحر الأسود في الحضارات الشرقية

القسم السادس: تحليل جذور السحر الأسود في الحضارات القديمة من منظور علمي

هل يمكن تفسير السحر الأسود علميًا؟

عند دراسة جذور السحر الأسود في الحضارات القديمة من منظور علمي، يتضح أن العديد من الطقوس والمعتقدات كانت محاولات بدائية لفهم الظواهر الطبيعية قبل ظهور العلم التجريبي. الطقوس التي كانت تُستخدم لاستدعاء الأرواح أو التأثير على الآخرين قد تُفسر اليوم كأشكال من الإيحاء النفسي أو التنظيم الرمزي للواقع. علم الأعصاب الحديث يشير إلى أن بعض الطقوس السحرية تُحفز مناطق معينة في الدماغ مسؤولة عن الإدراك، الخوف، والانتباه، مما يجعل تأثيرها ملموسًا نفسيًا وإن لم يكن خارقًا.

علم النفس والسحر: تأثير الطقوس على العقل

من أبرز ما تكشفه جذور السحر الأسود في الحضارات القديمة هو العلاقة الوثيقة بين الطقوس السحرية والحالة النفسية للإنسان. الطقوس، سواء كانت بسيطة أو معقدة، تُحدث نوعًا من "التهيئة الذهنية" التي تؤثر على السلوك والمشاعر. علم النفس التحليلي، كما طرحه كارل يونغ، يرى أن الطقوس السحرية تُفعّل الرموز اللاواعية وتُساعد الفرد على مواجهة مخاوفه أو رغباته المكبوتة. لذلك، فإن السحر الأسود قد يكون أداة نفسية للتعامل مع الألم، الغضب، أو الرغبة في السيطرة.

الرموز والوعي الجمعي: لماذا تتكرر نفس الطقوس؟

عند تحليل جذور السحر الأسود في الحضارات القديمة، نلاحظ تكرارًا مذهلًا في الرموز والطقوس عبر ثقافات مختلفة. النجمة الخماسية، الدم، النار، والدوائر المغلقة تظهر في حضارات متباعدة جغرافيًا وتاريخيًا. هذا التكرار يُفسره علماء الأنثروبولوجيا وعلم النفس بأنه نابع من "الوعي الجمعي"، أي أن البشر يشتركون في رموز داخلية تمثل مفاهيم مثل الحماية، القوة، أو الموت. هذه الرموز تُستخدم في الطقوس السحرية لأنها تُخاطب العقل البشري على مستوى عميق، بغض النظر عن الخلفية الثقافية.
تحليل جذور السحر الأسود في الحضارات القديمة من منظور علمي
تحليل جذور السحر الأسود في الحضارات القديمة من منظور علمي

هل السحر الأسود مجرد انعكاس للخوف البشري؟

في جوهره، يُمكن اعتبار السحر الأسود انعكاسًا مباشرًا للخوف البشري من المجهول، الموت، والضعف. جذور السحر الأسود في الحضارات القديمة تكشف كيف استخدم الإنسان الطقوس والرموز ليشعر بالأمان أو ليستعيد السيطرة على حياته. الخوف من الأرواح، الأمراض، أو الأعداء دفع المجتمعات إلى ابتكار طقوس تُشعرهم بالقوة، حتى وإن كانت رمزية. هذا الجانب النفسي يُفسر استمرار السحر الأسود حتى اليوم، رغم التقدم العلمي، لأنه يُخاطب حاجة داخلية عميقة لدى الإنسان.

القسم السابع: كيف أثّرت جذور السحر الأسود في الحضارات القديمة على المعتقدات الحديثة؟

استمرار الطقوس القديمة في السحر المعاصر

رغم مرور آلاف السنين، لا تزال جذور السحر الأسود في الحضارات القديمة حاضرة في الممارسات السحرية المعاصرة. العديد من الطقوس التي نشأت في مصر، بابل، والهند تُستخدم اليوم بصيغ معدّلة، مثل طقوس الاستدعاء، استخدام الرموز، والتعاويذ المكتوبة. السحرة المعاصرون غالبًا ما يستندون إلى هذه الطقوس القديمة لإضفاء شرعية وغموض على ممارساتهم، مما يجعل السحر الأسود الحديث امتدادًا مباشرًا لتراث تاريخي عميق.

الرموز القديمة في السحر الأسود الحديث

الرموز التي ظهرت ضمن جذور السحر الأسود في الحضارات القديمة لا تزال تُستخدم حتى اليوم، مثل النجمة الخماسية، العين الواحدة، والدوائر المغلقة. هذه الرموز تُعتبر أدوات طقسية تُستخدم في التحصين، الاستدعاء، أو السيطرة، وتُدمج في الكتب، التمائم، وحتى التصاميم الرقمية. الاستمرار في استخدام هذه الرموز يعكس قوتها النفسية والثقافية، حيث تُخاطب العقل البشري على مستوى رمزي عميق، بغض النظر عن الخلفية الدينية أو الثقافية.

كيف يستخدم السحرة المعاصرون تراث الحضارات القديمة؟

السحرة المعاصرون، خاصة في مدارس السحر الغربية، يعتمدون على جذور السحر الأسود في الحضارات القديمة كمصدر للإلهام والتقنيات. تُستخدم نصوص مثل "شمس المعارف"، "مفتاح سليمان"، و"كتاب الموتى" في بناء طقوس حديثة تُنفذ في دوائر مغلقة أو عبر منصات رقمية. كما أن بعضهم يُعيد تمثيل الطقوس القديمة باستخدام أدوات حديثة مثل الشموع الإلكترونية، الرموز الرقمية، أو حتى الواقع الافتراضي، مما يُظهر كيف يتفاعل السحر الأسود مع التكنولوجيا دون أن يفقد جذوره التاريخية.

هل يمكن فك السحر الأسود المستند إلى جذور تاريخية؟

فك السحر الأسود الذي يستند إلى جذور السحر الأسود في الحضارات القديمة يتطلب فهمًا عميقًا للرموز والطقوس الأصلية. في بعض الحالات، يُعتقد أن استخدام أدوات التحصين القديمة مثل الملح، الماء المقدس، أو الرموز المضادة يمكن أن يُبطل تأثير الطقوس. لكن من منظور علمي ونفسي، فإن فك السحر يعتمد على كسر الإيحاء الذهني المرتبط به، أي إعادة بناء الثقة والوعي لدى الشخص المتأثر. لذلك، فإن التعامل مع هذا النوع من السحر يتطلب مزيجًا من الفهم التاريخي، التحليل النفسي، والتحصين الروحي.

كيف أثّرت جذور السحر الأسود في الحضارات القديمة على المعتقدات الحديثة؟
كيف أثّرت جذور السحر الأسود في الحضارات القديمة على المعتقدات الحديثة؟

خاتمة:

تكشف جذور السحر الأسود في الحضارات القديمة عن عمق ارتباط الإنسان بالخوف، الرموز، والبحث عن السيطرة على المجهول. من سومر إلى اليونان، ومن الهند إلى مصر، تطورت الطقوس لتصبح جزءًا من المعتقدات الحديثة. ويبقى السحر الأسود مرآةً ثقافية تعكس صراع الإنسان بين العقل والظلام.

المقال التالي المقال السابق
لا تعليقات
إضافة تعليق
رابط التعليق