نظرية الأكوان المتعددة: هل نعيش في كون واحد أم أكوان لا نهائية؟

 إن الاكوان المتعددة (Multiverse) هي عبارة عن مجموعة افتراضية متكون من عدة أكوان - بما فيها الكون الذي نعيش فيه- وتشكل هذه الأكوان بمجموعها الوجود بأكمله، وفكرة الوجود متعدد الأكوان جائت نتيجة لبعض النظريات العلمية التي تستنتج في الختام وجوب وجود أكثر من كون واحد، وهو غالبا يكون نتيجة لمحاولات تفسير الرياضيات الأساسية في نظرية الكم بعلم الكونيات.

نظرية الأكوان المتعددة: هل نعيش في كون واحد أم أكوان لا نهائية؟
نظرية الأكوان المتعددة: هل نعيش في كون واحد أم أكوان لا نهائية؟

والأكوان العديدة داخل متعدد الأكوان تسمى بالأكوان الموازية والبنية لمتعدد الأكوان، وطبيعة كل كون وما بداخله، وتعتبر هذه النظرية فرضية في علم الكونيات والفيزياء والفلك والفلسفة والمسائل الرياضية والخيال العلمي واللاهوت، وقد يكون لهذه الأكوان المتوازية في هذا السياق أسماء اخرى كالاكوان البديلة أو الأكوان الكمية أو العوالم المتوازية.

نظرية علمية أم خيال علمي:

في الواقع إن تلسكوباتنا القوية قادرة على رؤية ما يقارب اربعة عشر مليار سنة ضوئية، لكن ماذا يوجد بعد ذلك؟ وقد قامت معظم النظريات العلمية على أساس أن نشأت الكون قد جائت نتيجة الإنفجار العظيم والذي حدث قبل ملايين السنين، وهذا يثير سؤال أخر ما كان قبل الإنفجار العظيم، وقد حاول الفلاسفة ورجال الدين على مدى العصور الإجابة على هذه التساؤولات.

لقد كان الشغل الشاغل للعلماء هو دراسة الكون بما يحتويه وما يحكمه من قوانين فيزيائية، وما الذي حدث بعد الإنفجار العظيم قبل 13.8 مليار سنة بالتحديد، أما الان فقد بدأ العلم في اقتحام مجال كان حكرا على الدين والفلسفة، ماذا بعد، وكيف كان الحال قبل ولادة الكون؟ وماذا يوجد خارج نطاق معرفتنا؟

كيف بدأت النظرية

في عام (1954) كان هنالك طالب دكتوراه في جامعة برنسيتون اسمه هيو إيفيرت جاء بفكرة جذرية، انه يوجد أكوان متوازية، بالضبط شبه كوننا هذا، كل هذه الأكوان على علاقة بنا فهي وفق كلامه متفرعة عن كوننا هذا، وكوننا متفرع منها أيضاً، وقد كانت تلك الافكار مذهلة في ذلك الوقت.

وقد استند الفيرت في نظريته بأن الاكوان الكمية غير متوازنة وغير منتظمة في العمل، وأن دراسة فيزياء الكم بدأت في عام (1900)، حينما قدم العالم ماكس بلانك هذا المفهوم لأول مرة على المجتمع العلمي، دراسات بلانك للإشعاع دفعت نحو بعض الاكتشافات التي تتعارض مع قوانين الفيزياء التقليدية، وقد اشارت تلك الدراسات ان القوانين المختلفة لهذا الكون تعلم على المستويات العميقة غير تلك القوانين التي نعرفها.

تقسيم الأكوان المتعددة:

المستوى الأول: مناطق وراء افقنا الكوني:

يمتد الكون بطريقة لانهائية وبنيته لها نفس الصفة التي تحملها الكرة التي نعيش عليها، حيث توجد كرات لأكوان اخرى لا يمكننا مشاهدتها، وهي تحمل ذات الصفات الفيزيائية وقياس الموجات الايكروية .

المستوى الثاني: فقاعات أخرى متضخمة:

الكون عبارة عن فقاعة كروية متواجدة في كون أكبر محتوي على عدد من الاكوان الاخرى او الفقاعات الأخرى، وهكذا، ويتمتع هذا الكون بنفس المعادلات الأساسية للفيزياء، ولكن ربما بثوابت وعناصر وأبعاد مختلفة ، وتفترض حدوث التضخم الفوضوي للكون.

  1. نظرية التضخم تفسر الفضاء المستوي، والتذبذبات ثابتة المقدار، وتحل مشكلة الافق ومشاكل القطب الواحد ويمكن ان تفسر طبيعيا مثل هذه الفقاقيع.
  2. تفسر الثوابت المضوبطة.

المستوى الثالث: العوالم المتعددة لفيزياء الكم:

حسب نظرية العالم هيو ايفيريت فإن وقوع اي حدث عشوائي معناه ان احتمال من ضمن عدة احتمالات اخرى قد وقع، مما يؤدي بنا إلى القول ان الاحتمالات الاخرى قد تكون وقعت في اكوان موازية لكوننا أي ان هناك كون لكل احتمال من الاحتمالات المتوقعةـ، وخصائصه شبيهة بخصائص المستوى الثاني، والافتراضات حدوية الفيزياء، ويستند انصار هذا الرأي إلى أن:

  1. دعم تجريبي للفيزياء الوحدوية.
  2. النموذج الأبسط رياضياً.

المستوى الرابع: تراكيب رياضية أخرى:

خصائصه معادلات الفيزياء الاساسية مختلفة وتفترض وجود رياضي للوجود الفيزيائي، ويستندون إلى:
  1. التأثير غير المعقول للرياضيات في الفيزياء.
  2. تجاوب على سؤال وييلر وهوكينغ، لماذا هذه المعالدات بالذات وليس غيرها.

لماذا ظهرت هذه النظرية؟

  • لتفسير الضبط الدقيق لكوننا الذي يسمح بوجود الحياة.

  • لمحاولة فهم الظواهر التي لا تفسرها قوانين الفيزياء الحالية مثل المادة المظلمة والثابت الكوني.

  • نتيجة لنظريات مثل التضخم الكوني، ونظرية الأوتار، وتفسير العوالم المتعددة في ميكانيكا الكم.

هل هناك أدلة؟

حتى الآن، لا توجد أدلة تجريبية قاطعة على وجود أكوان أخرى. بعض العلماء يبحثون عن آثار محتملة مثل تشوهات في إشعاع الخلفية الكونية أو آثار تصادمات بين الأكوان، لكن النتائج غير حاسمة.

هل هي علم أم فلسفة؟

يعتبرها البعض فرضية فلسفية أكثر منها علمية، لأنها تفتقر إلى قابلية الاختبار والدحض، وهي من شروط النظرية العلمية. ومع ذلك، تستمر الأبحاث والنقاشات حولها في الأوساط العلمية والكونية.

إذا رغبت، يمكنني تلخيص النظرية في جدول أو تقديم مقارنة بين الأكوان المتعددة والكون الواحد من حيث المبدأ العلمي والفلسفي.

تلخيص هذه النظرية، واهم انصارها:

نظرية الأكوان المتعددة تفترض وجود عدد لا نهائي من الأكوان، لكل منها قوانينه وظروفه الخاصة، وقد تكون مشابهة لكوننا أو مختلفة جذريًا. هذه الفرضية تنبع من تفسيرات في ميكانيكا الكم، ونظريات التضخم الكوني، ونظرية الأوتار، وتُستخدم لتفسير الضبط الدقيق للكون الذي يسمح بوجود الحياة، وكأن كوننا واحد من بين أكوان كثيرة، بعضها غير صالح للحياة.

يؤيد النظرية علماء بارزون مثل ماكس تيجمارك وبراين غرين، معتبرين أنها امتداد منطقي للنماذج الفيزيائية الحالية. بالنسبة لهم، الأكوان المتعددة ليست مجرد خيال علمي، بل احتمال رياضي وفلسفي قائم على أسس علمية. ويرون أن تجاهلها قد يكون تقليصًا لفهمنا للواقع، حتى وإن كانت غير قابلة للاختبار المباشر حتى الآن.

نظرية الأكوان المتعددة علم أم خيال

رغم جاذبيتها الفكرية، يرى كثيرون أن نظرية الأكوان المتعددة أقرب إلى الخيال العلمي منها إلى العلم التجريبي. فهي تطرح فرضيات لا يمكن اختبارها أو التحقق منها، مما يجعلها خارج نطاق المنهج العلمي القائم على الملاحظة والتجربة. بالنسبة لهؤلاء، الحديث عن أكوان لا يمكن الوصول إليها أو قياسها هو أشبه بالأساطير الكونية التي تثير الفضول دون أن تقدم إجابات قابلة للدحض.

ويعتبر بعض الفلاسفة والعلماء أن تبني هذه النظرية قد يفتح الباب أمام تفسيرات غير علمية، ويُضعف من قيمة البحث التجريبي. فبدلًا من محاولة فهم الكون الذي نعيش فيه، يتم اللجوء إلى فكرة "أكوان أخرى" لتبرير الظواهر الغامضة، مما يشبه الهروب من التفسير الحقيقي إلى عالم من الاحتمالات غير القابلة للإثبات.

الجانب المظلم والمرعب في نظرية الأكوان المتعددة 

يكمن في ما تطرحه من احتمالات وجود نسخ لا نهائية منك تعيش سيناريوهات مختلفة تمامًا، بعضها قد يكون مأساويًا أو غير إنساني. وفقًا لتفسير العوالم المتعددة في ميكانيكا الكم، كل قرار تتخذه قد يؤدي إلى انقسام الكون، مما يعني أن هناك نسخًا منك تعيش نتائج لم تخترها، بما في ذلك أسوأ الاحتمالات.

الأكثر إثارة للقلق هو أن هذه الأكوان قد تكون غير قابلة للوصول أو الفهم، مما يفتح الباب أمام تساؤلات وجودية مرعبة: هل نحن مجرد احتمال من بين ملايين؟ هل هناك أكوان تحكمها قوانين فيزيائية لا تسمح بالحياة أو المنطق؟ وهل يمكن أن تتقاطع الأكوان في لحظة ما؟ هذه الأسئلة تضع الإنسان أمام واقع غير مألوف، حيث يصبح الوجود نفسه غير مستقر أو قابل للتفسير.

خاتمة:

نظرية الأكوان المتعددة تفتح آفاقًا غير مسبوقة لفهم الوجود، لكنها تثير تساؤلات فلسفية وعلمية عميقة. بين مؤيد يرى فيها امتدادًا للعلم، ومعارض يعتبرها خرافة، تبقى الفكرة مثيرة للجدل. فهل نحن مجرد احتمال في كون من ملايين؟

المقال السابق
لا تعليقات
إضافة تعليق
رابط التعليق